كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18] لأن الله أنكر عليهم في هذه الآية الكريمة أنهم نسبوا له ما لا يليق به من الولد، ومع ذلك نسبوا له أخس الولدين وأنقصهما وأضعفهما.
ولذلك ينشأ في الحلية أي الزينة من أنوع الحلي والحلل ليجبر نقصه الخلقي الطبيعي بالتجميل بالحُلِي والحلل وهو الأنثى. بخلاف الرجل. فإن كمال ذكورته وقوتها وجمالها يكفيه على الحلي. كما قال الشاعر:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة ** يتمم من حسن إذا الحسن قصرا

أما إذا كان الجمال موفرًا ** كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا

وقال تعالى: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21-22] وإنما كانت هذه القسمة ضيزى- أي غير عادلة- لأن الأُنثى أنقص من الذكر خلقة وطبيعة. فجعلوا هذا النصيب الناقص لله جلَّ وعلا- سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا! وجعلوا الكامل لأنفسهم كما قال: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] أي وهو البنات. وقال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 85] إلى قوله: {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 59]، وقال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلًا} [الزخرف: 17]- أي وهو الأثنى {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: 17].
وكل هذه الآيات القرأنية تدل على أن الأنثى ناقصة بمقتضى الخلقة والطبيعة، وأن الذكر أفضل وأكمل منها. {أَصْطَفَى البنات على البنين مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 153-154] {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثًا} [الإسراء: 40] الآية، والآيات الدالة على تفضيله عليه كثيرة جدًا.
ومعلوم عند عامة العقلاء: أن الأنثى متاع لابد له ممن يقوم بشؤونه ويحافظ عليه.
وقد اختلف العلماء في التمتع بالزوجة: هل هو قوت؟ أو تفكه؟ وأجرى علماء المالكية على هذا الخلاف حكم إلزام الابن بتزويج أبيه الفقير قالوا: فعلى أن النكاح قوت فعليه تزويجه؟ لأنه من جملة القوت الواجب له عليه. وعلى أنه تفكه لا يجب عليه على قول بعضهم. فانظر شبه النساء بالطعام والفاكهة عند العلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان في الجهاد. لأنهما من جملة مال المسلمين الغانمين. بخلاف الرجال فإنهم يقتلون.
ومن الأدلة على أفضلية الذكر على الأنثى: أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأولز فأصلها جزء منه. فإذا عرفت من هذه الأدلة: أن الأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي- فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار، يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته، يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته. ليجلب له ما لا يقدر عليه جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر. كما قال تالى {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} [النساء: 34].
وإذا علمت ذلك- فاعلم أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقومًا عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزمًا بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازمهن في الحياة.
كما قال تعالى: {وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] ومال الميراث ما مسحا في تحصيله عرقًا، ولا تسببا فيه البتة، وإنما هو تمليك من الله ملكهما إياه تملليكًا جبريًا. فاقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يؤثر الرجل علىلمرأ في الميراث وإن أدليا بسبب واحد. لأن الرجل مترقب للنقص دائمًا بالإنفاق على نسائه، وبذل المهور لهن، والبذل في نوئب الدهر. والمرأة مترقة للزَّيادة بدفع الرجل لها المهر، وإنفاقه عليها وقيامه بشؤونها. وإيثار مترقب النقص دائمًا على مترقب الزيادة دءئمًا لجبر بعض نقصه المترقب- حكمته ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي. ولذا قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} [النساء: 11] ولأجل هذه الحكم التَّي بينا بها فضل المرأة في جميع أحوالها. وخصه بالرسالة والنبوة والخلافة دونها، وملكه الطلاق دونها. وجعله الولي في النكاح دونها، وجعل انتساب الأولاد إليه لا إليها، وجعل شهادته في الأموال بشهادة امرأتين في وقله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء} [البقرة: 282]. وجعل شهادته تقبل في الحدود والقصاص دونها، إلى غير ذلك من الفوارق الحسية والمعنوية والشرعية بينهما.
ألا ترى أن الضعف الخلقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجل، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب. قال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور ** قتلنا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن أضعف خلق الله أركانا

وقال ابن الدمينة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ** ببعض الأّضى لم يدر كيف يجيب

فلم يعتذر عذر البريء ولم تزل ** به سكتة حتى يقال مريب

فالأول: تشبه بهن بضعف أركانهن والثاني: بعجزهن عن الإبانة في الخصام. كما قال تعال: {وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]. ولهذا التباين في الكمال والقوة بين النوعين، صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم اللعن على من تشبه منهما بالآخر. قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال هذا لفظ البخاري في صحيحه. ومعلوم أن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله. لأن اله يقول: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الآية. كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه كما تقدم.
فلتعلمن أيتها النساء اللاتي تحاولن أن تكن كالرجال في جميع الشؤون أنكن مترجلات متشبهات بالجال، وأنكن ملعونات في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
زكذلك المخنثون المتشبهون بالنساء، فهم أيضًا ملعونون في كتاب الله على لسانه صلى الله عليه وسلم، ولقد صدق من قال فيهم:
وما عجب أن النساء ترجلت ** ولكن تأنيث الرجال عجاب

واعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه. أن هذه الفكرة الكافر، الخاطئة الخاسئة، المخالفة للحس والعقل، وللوحي السماوي وتشريع الخالق البارِىء. من تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين. فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته. وذلك لأِن الله جلَّ وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني، صلاحًا لا يصلحه غيرها، كالحمل والوضع، والإرضاع وتربية الأولاد، وخدمة البيت، والقيام على شؤونه. من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك. وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنساني داخل بيتها في ستر وصيانة، وعفاف ومحافظة على الشرف والفضيلة ووالقِيم الأنسانية- لا تقل عن خدمة الرجل بالاكتساب. فزعم أولئك السفلة الجهلة من الكفار وأتباعهم: أن المرأة لها من الحقوق في الخدمة خارج بيتها مثل ما للرجل، مع أنها في زمن حملها ورضاعها ونفاسها، لا تقدر على مزاولة أي عمل فيه أي مشقة كما هو مشاهد. فإذا خرجي هي وزوجها بقبت خدمات البيت كلها ضائعة: من حفظ الأولاد الصغار، وإرضاع من هو في زمن الرضاع منهم، وتهيئة الأكل والشرب للرجل إذا جاء من علمه. فلو أجروا إنسانًا يقوم مقامها، لتعطل ذلك الإنسان في ذلك البيت التعطل الذي خرجت المرأة فرارًا منه. فعادت النتيجة في حافرتها على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين. لأن المرأة متا، هو خير متاع الدنيا، وهو أشد أمتعة الدنيا عرضًا للخيانة. لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكرًا. فتعريضها لأَن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل. وكذلك إذا لمس شيئًا من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية. ولا سيِّما إذا كان القلب فارغًا من خشية الله تعالى، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدرًا. وتحريك الغرائز بمثل ذك النظر واللمس يكون غابًا سببًا لما هو شر منه. كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام، وتركت الصيانة. فصارت نساؤها يخرجن متبرِّجات عاريات الأجسام إلا ما شاء الله. لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم. ولا حول لا قوة إلا بالله العلي العظيم! نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق، ومن كل سوء، ودعوى الجهلة السفلة: أن داوم خروج النساء بادية الرُّؤوس والأعناق والمعاصمن والأذرع والسوق، ونحو ذلك معناه: إشباع الَّرغبة مما لا يجوز، حتى يزوب الأرب منه بكثرة مزاولته، وهذا كما ترى.
ولأن الدوام لا يذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء. لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادها، ولا تزال ملامسته لها، ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته. كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر:
لقد سمعت لو ناديتَ حيًا ** ولكن لا حياة لمن تنادي

وقد أَمر رب السماوات والأرض، خالق هذا الكون ومدبر شؤون، العلام بخفايا أمروه، وبكل ما كن وما سيكون- بغض البصر عما لا يحل. قال تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلك أزكى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 30-31] الآية.
ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ} [النور: 31]. ونهاهن عن لين الكلام. لئلا يطمع أهل الخنى فيهن. قال تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]. وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق المقام في مسألة الحجاب في سورة الأحزاب كما قدمنا الوعد بذلك في ترجمة هذا الكتاب المبارك.
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: ملك الرقيق المعبر عنه في القرآن بملك اليمين في آيات كثيرة. كقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} [النساء: 3]، وقوله: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5-6] في سورة: {قد أفلح المؤمنون}، و{سأل سأئل} وقوله: {والجار ذِي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36]، وقوله: {والمحصنات مِنَ النسآء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله} [النساء: 24] الآية، وقوله جلَّ وعلا: {والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 33] الآية، وقوله: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52] الآية، وقوله: {يا أيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ} [الأحزاب: 50] الآية، وقوله جل وعلا: {وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [الأحزاب: 55]، وقوله: {أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] وقوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} [النساء: 25]، وقوله: {فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النحل: 71]، وقوله: {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ} [الروم: 28]
الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
فالمراد بملك اليمين في جميع هذه الآيات ونحوها: ملك الرقيق بالرق. ومن الآيات الدالة على ملك الرقيق قوله: {ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا} [النحل: 75] الآية، وقوله: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} [البقرة: 221] الآية، ونحو ذلك من الآيات.
وسبب الملك بالرق: هو الكُفر، ومحاربة الله ورسوله. فإذا أقدر الله المسلمين المجاهدين الباذلين مهجهم وأموالهم، وجميع قواهم، وما أعطاهم الله لِتكون كلمة الله هي العليا على الكفار- جعلهم ملكًا لهم بالسبي.
إلا إذا اختار الإمام المن أو الفداء. لما في ذلك من المصلحة على المسلمين.
وهذا الحكم من أعدل الأحكام وأوضحها وأظهرها حكمة. وذلك أن الله جلَّ وعلا خلق الخلق ليعبدوه ويوححدوه، ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه. كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56-57]. وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه. كما قال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، وفي الآية الأخرى في سورة النحل: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18]. وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ليشكروه. كما قال تعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] فتمرد الكفار على ربهم وطغوا وعتوا، وأعلنوا الحرب على رسله لئلا تكون كلمته هي العليا، واستعملوا جميع المواهب التي أنعم عليهم بها في محاربته، وارتكاب ما يسخطه، ومعادته ومعاداة أوليائه القائمين بأمره. وهذا أكبر جريمة يتصورها الإنسان.
فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جلَّ وعلا- عقوبة شديدة تُناسب جريمتهم. فسلبهم التصرف، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، فأجاز بيعهم وشِراءهم، وغير ذلك من التصرفات المالية، مع أنه لم يسلبهم خقوق الإنسانية سلبًا كليًا. فأوجب على ماليكهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم. كما هو معروف في السنة الورادة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن. كما في قوله تعالى: {واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وبالوالدين إِحْسَانًا وَبِذِي القربى واليتامى} [النساء: 36] إلى قوله: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] كما تقدم.